أهالي قرية “وادي الخليل” المهدّمة في النقب: سنعيش تحت الشجر.. باقون هنا
مسجدٌ ونحو 48 بيتاً في قرية وادي الخليل في النّقب يعيش فيها مئات الفلسطينيين، استحالت ركاماً. إذ شهد النقب يوم الثامن من أيار/مايو الجاري واحدة من أكبر عمليات الهدم تمثّلت بهدم قرية كاملة، وتشريد ساكنيها منها، حيث تمت عملية الهدم في ساعات الصباح الباكر، وعلى مرأى ومسمع من أهالي قرية وادي الخليل في منطقة صحراء النقب، حيث سوّت آليات وجرّافات الاحتلال الإسرائيلي مساكنهم بالأرض، بعد هدمها بذريعة البناء من دون ترخيص، وبحجة توسعة شارع رقم 6، أو ما يسمّى بـ”عابر إسرائيل” على أنقاضها.
وقف الأهالي ينظرون إلى القرية والجرافات والآليات تهدم مساكنهم خلال 8 ساعات متواصلة، ومشاعر الألم والحسرة تحاصرهم وتكوي قلوبهم، فقد عاش الأجداد والآباء والأطفال في وادي الخليل منذ عقود. وفي تلك الصبيحة، خرج أطفال القرية إلى دوامهم المدرسي قبل بدء عمليات الهدم، وعندما عادوا إلى قريتهم لم يجدوها، بل شاهدوا أكواماً من الركام وما تبقّى من منازلهم، حيث منعت شرطة الاحتلال والوحدات التابعة لها الأهالي من الاقتراب خلال تنفيذ الهدم والدمار، وأبقت على نحو 500 مواطن من عائلة أبو عصا في العراء من دون مأوى، بعضهم كان قد آثر أن يحرق بيته بيده قبل أن تأتي سلطات الاحتلال لهدمه، وبعضهم وقف بجسده أمام جرّافات الهدم لمنعها من الوصول إلى البيوت.
هدم البيوت تمّ أمام أعين الأهالي
الشاب ناجي أبو عصا هو صاحب منزل تمّ هدمه في وادي الخليل، لم يتوقّع أبداً أن يتمّ هدم قريته، وقال بأسف: “تلقّينا أوامر الهدم قبل بدء الهدم بيوم أو يومين ليس أكثر، لم نكن نتوقّع أن يتم تنفيذ القرار بهذا الشكل سريعاً، لأن الحديث لا يدور عن منزل أو منزلين، إنما عشرات المنازل والعائلات، ونحن كبرنا وترعرعنا في هذه المنازل”.
وأضاف أبو عصا أن “الهدم استمر لساعات طويلة وأمام أعين الأهالي، هذا المشهد سيّئ وفظيع، تمنّينا أن تنشق الأرض وتبتلعنا قبل أن نرى بيوتنا وهي تهدم، كل المحاولات التي يقومون بها لم ولن تكسرنا، على العكس تزيدنا قوة وإصراراً وثباتاً في هذه الأرض، ولن يتحقق مرادهم من خلال هذه الأعمال والهدم والدمار، باقون هنا ولن نترك أرضنا أبداً”.
وأضاف ناجي: “نسكن في وادي الخليل قبل قيام هذه الدولة وقبل شقّ شارع رقم 6، أنا أبلغ من العمر 30 عاماً ولدت هنا، ووالدي ولد أيضاً هنا وجدّي كذلك، نحن هنا على هذه الأرض منذ عقود ولا يمكن اقتلاعنا منها، وحتى لو تمّ اقتلاع الأشجار والمنازل سنبقى ونتشبّث بالأرض ولن نتحرّك من هنا مهما حصل، سنضع خياماً ونعيش على أرضنا، ما تسمى سلطة توطين البدو والسلطات الإسرائيلية كافة تعمل، كلّ هذا بهدف تهجيرنا من النقب ونقلنا إلى مناطق أخرى”.
يُفنّد أهالي وادي الخليل رواية حكومة الاحتلال بشأن هدم المنازل، ويقول أحد المواطنين في القرية إنّ “هدف الاحتلال من الخطوة إحداث شرخ بين أهالي القرية والعائلة التي تسكن في هذه المنطقة، وتهجير الأهالي، ونقلهم للعيش في مناطق أخرى وعلى أراضٍ ليست لهم، في المقابل، لم يقترح الاحتلال مكاناً بديلاً للأهالي، بل هدم ودمّر وخرج من دون إيجاد حلّ لأهالي القرية”.
وتابع قائلاً: “الأهالي في حالة يرثى لها لأن المنازل التي هدمت كانت تسكنها عائلات كاملة ونساء وشباب وأطفال ورُضّع، والآن باتوا من دون مأوى، لكن بعض هذه العائلات تريد العودة، والنوم تحت الأشجار وعلى ركام المنازل”.
وتدّعي حكومة الاحتلال الإسرائيلية أن بيوت قرية وادي الخليل التي تسكنها عائلة أبو عصا منذ ما قبل قيام الكيان المحتل، تعيق عملية تطوير الشارع السريع رقم 6، والذي تحاول من خلاله السلطات الإسرائيلية ربط شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 بأقصى جنوبه، بحيث يصل إلى ما يسمى بمفرق النقب، ومن هناك تتجه الطريق إلى “إيلات” بخط قديم هو شارع 90، الهدف الأساس الواضح لكلّ المواطنين الفلسطينيين من هذا المشروع، هو تنفيذ السياسة الإسرائيلية المتبعة في الجنوب، وهي أرض بلا سكان، حيث تم تجريد البدو في صحراء النقب من الغالبية العظمى من أراضيهم التاريخية، وتمّ حصرهم داخل منطقة لا تتجاوز مساحتها 3% من مساحة النقب، وتتمّ محاصرتهم وملاحقتهم أيضاً على هذه المساحة بالطرق المتاحة لحكومة الاحتلال كافة، من هدم وتهجير وتشريد وغرامات أثقلت كاهلهم وجعلت الحياة مستحيلة في النقب، لكن على الرغم من كل هذا فهم صامدون فيها، ولو على أنقاض البيوت المهدومة، تماماً كما فعل أبناء وداي الخليل.
وقال النائب في الكنيست الإسرائيلي عن النقب يوسف العطاونة: “ما جرى في النقب من أعمال هدم وخراب لبيوت عائلة أبو عصا هو تجسيد عملي وفعلي للنكبة الحقيقية التي يعيشها أهلنا في النقب” مضيفاً أنه: “على الرغم من كل المحاولات التي تم بذلها مع كل الجهات الحكومية ذات العلاقة لمنع هدم بيوت عائلة أبو عصا، إلا أن عقلية الخراب والدمار مسيطرة على هذه الحكومة والتي لا تعرف إلا لغة الدمار”. وأكد العطاونة أن “أهل النقب باقون وصامدون في أرضهم، وإرادة أهل النقب أقوى من كل الفاشية والعنصرية التي تمارسها حكومة إسرائيل”.
واستنكر منتدى السلطات المحلية العربية البدوية في شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 استمرار الهدم والتضييق على الفلسطينيين في النقب، وتغليب الهدم على عدم إيجاد حلول للأهالي هناك، وحمّل حكومة الاحتلال الإسرائيلية مسؤولية هذا الغبن المتواصل منذ عشرات السنوات ضد أهالي النقب، إذ إن “استمرار الهدم يعدّ انتهاكاً للحق في العيش بكرامة، ومسّاً خطيراً بالحقوق الأساسية لأهالي النقب”.
ووادي الخليل ليست القرية الأولى التي تتعرّض للهدم، ولن تكون الأخيرة، فمخطط شارع رقم 6 يشمل عشرات القرى وآلاف البيوت في النقب، ما يفاقم المأساة أكثر فأكثر، ويجعل كابوس الدمار والهدم لا يفارق الفلسطينيين في النقب، ناهيك عن البلدات المحتلة التي سوف يقتطع المخطط أجزاء كبيرة منها بالطريقة نفسها من دون توفير حلول بديلة للناس، أضف إلى ذلك ما تسمّى بالقرى الواقعة داخل “منطقة عسكرية”، وهي كثيرة جداً، وتم تحديدها في الخمسينيات من القرن الماضي، ولا يحتاج تهجيرها وهدمها لقرار من المحاكم الإسرائيلية، حيث يمكن لـ “جيش” الاحتلال وضع اليد عليها مباشرة ومن دون سابق إنذار، ما يجعل الأهالي هناك تماماً في مرمى النار.
المصدر: الميادين